( الصفحة 98 )
على القاعدة ، بل لأجل التسامح في إيجاد الغسل ، فيحتاج إلى نوع من التنبيه ، كما في مورد نسيان النجاسة الذي هو أمر غير اختياري .
ثانيتهما : صحيحة ابن أبي يعفور ـ الذي ثبتت وثاقته من رواية أجلاّء الرواة وأعاظمهم عنه ، كما نقلناه في كتاب الاجتهاد والتقليد عن سيّدنا المحقّق الاُستاذ البروجردي (قدس سره) (1) قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ (حتّى خ ل) يستيقظ ، ثمّ ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح ؟ قال : يتمّ يومه (صومه خل) ويقضي يوماً آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ (صومه خل) يومه وجاز له(2) . وفي تعليقة الوسائل نقلاً عن التهذيبين : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتى يصبح ، قال يتمّ صومه (يومه صا) ، وفي أخره : أتمّ يومه (3).
والرواية على هذا لا تكون متعرّضة لحكم النومة الثانية الذي هو محلّ الكلام ; ولأجله ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ الاختلاف لا يكون حينئذ من جهة اختلاف نسخ الوسائل ، بل من جهة اختلاف المصادر ، والأمر دائر بين الزيادة والنقيصة ، ولا يبعد أن يكون الترجيح مع الفقيه ; لأنّه أضبط من التهذيبين من جهة الاشتباه الناشئ من الاستعجال في التأليف ، حتى إدّعى صاحب الحدائق : أنّه قلّما توجد رواية خالية عن الخلل سنداً أو متناً(4) فيهما وإن كان فيه مبالغة واضحة ، إلى أن قال ما ملخّصه :
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، الاجتهاد والتقليد: 239 ـ 242 بحث في العدالة .
(2) الفقيه 2 : 75 ح 323 ، تهذيب الأحكام 4 : 211 ح 612 ، الاستبصار 2 : 86 ح 269 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 61 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2 .
(3) أي في وسائل الشيعة 7: 41، الطبعة الإسلاميّة، تحقيق الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي .
(4) الحدائق الناضرة 3: 156.
( الصفحة 99 )
إنّه إن لم تثبت الزيادة ففي صحيحة معاوية المتقدّمة غنى وكفاية، وإن ثبتت كان حالها حالها ، بل الدلالة فيها أظهر ، إذ قد فرض فيها نومات ثلاث ، نومة الجنابة، ونومة بعد الاستيقاظ عنها ، والنومة الأخيرة المستمرّة إلى الصّباح ، وقوله (عليه السلام) في الذيل : «وإن لم يستيقظ » إلخ ، لا يحتمل رجوعه إلى نومة الجنابة ; لأنّ لازمه ترك التعرّض لما هو الأولى بالذكر ، وهي النومة المتوسطة ; فإنّ الإعراض عن حكم هذا والتعرّض لما هو واضح لدى كلّ أحد لعلّه مستبشع يصان عنه كلام الحكيم ، فلا مناص من رجوعه إلى النومة الثانية ـ أي الاُولى بعد الاحتلام ـ . أمّا الأخيرة فالمفروض استمرارها إلى الصباح ، فلا معنى للرجوع إليها، كما هو ظاهر .
ولكنّه مع ذلك كلّه يمكن أن يكون قوله (عليه السلام) : «وإن لم يستيقظ» إلخ ، راجعاً إلى الصدر ; أي إذا لم يستيقظ من الجنابة أصلاً حتى أصبح فلا شيء عليه ، ولعلّ هذا أوفق ، ويكون موافقاً لما في التهذيبين ; فإنّ ما نقله الشيخ (قدس سره) أقلّ تعقيداً ممّا نقله الصدوق (قدس سره) ، وتكون الرواية حينئذ من الروايات المطلقة الدالّة على لزوم القضاء في النوم الأوّل ، وكيفما كان ، فرواية الصدوق مجملة بالنسبة إلى هذا الحكم في النومة الثانية ، فالمرجع في الوجوب حينئذ صحيحة معاوية بن عمار ، وفيها الكفاية(1) ، انتهى .
أقول : لا ينبغي الإشكال في كون قوله (عليه السلام) في الذيل: «وإن لم يستيقظ» إلخ ، راجعاً إلى الصدر وعدلاً آخر في مقابله ، والمقصود إدامة الجنابة واستمرار نومه إلى الطلوع مع البناء على الاغتسال قبله ـ كما هو المفروض في محلّ البحث ـ من دون تحقّق استيقاظ في البين أصلاً ، وهذا ربّما يؤيّد عدم كون الجملة السابقة متعرّضة
- (1) المستند في شرح العروة 21 : 228 ـ 230 .
( الصفحة 100 )
لحكم النومة الثالثة ، بل غايتها التعرّض لحكم النومة الثانية ووجوب القضاء فيها ، كما أنّه ربما يؤيّد أنّ الرواية مشتملة على كلمة «حتى» في صدر الرواية ، والمقصود البناء على الاغتسال قبل طلوع الفجر ، ويشعر بذلك أمران .
أحدهما : عدم ذكر المنام في هذه المرحلة .
والثاني : أنّ المراد من إجناب الرجل نفسه وصيرورته متّصفاً بالجنابة لا يكون المقصود منه الاحتلام فقط ، بل يشمل الجنابة الاختياريّة الحاصلة في حال اليقظة غالباً .
وعليه : فيبدو أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «حتى يستيقظ» هو البناء على الاغتسال بعد الاستيقاظ قبل طلوع الفجر وإن وقع التعبير بـ «ثمّ» في نقل التهذيبين والفقيه، وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إشكال في دلالة الرواية على وجوب القضاء بالإضافة إلى النومة الثانية ، كما في المتن .
وأمّا النومة الثالثة ، فقد تردّد فيها في وجوب الكفّارة أيضاً، كما عليه المشهور وإن قال فيه: «لاينبغي ترك الاحتياط»، والظاهر أنّه لادليل على وجوبها سوى أمرين:
أحدهما : الملازمة بين وجوب القضاء الثابت هنا بطريق أولى ، ووجوب الكفّارة ، والظاهر عدم ثبوتها وعدم الدليل عليها ، بل الدليل على العدم، كما عرفت بالإضافة إلى النومة الثانية .
ثانيهما : إدّعاء الإجماع في جملة من الكلمات، مع أنّه من الواضح عدم حجّيّة الإجماع المنقول، كما قد قرّر في الاُصول ، مضافاً إلى أ نّ الإجماع على تقدير ثبوته لايكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد القطع، بل احتمال كون المستند الروايات ،وهي خالية عن الدلالة على وجوب الكفّارة . نعم ، ينبغي مراعاة الاحتياط
( الصفحة 101 )
السادس : تعمّد الكذب على الله تعالى ورسوله والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ على الأقوى ، وكذا باقي الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) على الأحوط ، من غير فرق بين كونه في الدين أو الدنيا ، وبين كونه بالقول أو بالكتابة أو الإشارة أو الكناية ونحوها; ممّا يصدق عليه الكذب عليهم (عليهم السلام) ، فلو سأله سائل : هل قال النبي (صلى الله عليه وآله) كذا؟ فأشار «نعم» في مقام «لا» ، أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه . وكذا لو أخبر صادقاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال : ما أخبرتُ به عنه كذب ، أو أخبر عنه كاذباً في الليل ، ثمّ قال في النهار : إنّ ما أخبرتُ به في الليل صدق ، فسد صومه . والأحوط عدم الفرق بين الكذب عليهم في أقوالهم أو غيرها ، كالإخبار كاذباً بأنّه فعل كذا ، أو كان كذا . والأقوى عدم ترتّب الفساد مع عدم القصد الجدّي إلى الإخبار; بأن كان هاذلاً أو لاغياً 1 .
لذهاب المشهور(1) إليه ، كما عرفت .
الصورة الثالثة: ما لو كان ذاهلاًوغافلاًعن الاغتسال بوجه لايكون بانياًعلى فعله ولا بانياً على تركه ، وقد ذكر وجهين في اللحوق بالأوّل أو الثاني ، وجعل الأوجه اللحوق بالثاني ; أي في وجوب القضاء عليه ، ولعلّ الوجه فيه ما عرفت من كون الصوم أمراً عبادياً يعتبر فيه قصد الإمساك عن المفطرات التي منها تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ، ولا يلائمه عدم البناء ولو كان منشؤه الذهول والغفلة .
1ـ لاإشكال ولاخلاف(2) في ثبوت الحرمة التكليفيّة في الكذب على الله ـ تعالى ـ ورسولهوالأئـمّة صلوات الله عليهم،وكذاغيرهم، خصوصاًالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) .
- (1) رياض المسائل 5 : 355 ـ 356 ، جواهر الكلام 16 : 275 ، مستمسك العروة 8 : 298 .
(2) رياض المسائل 5 : 322، جواهر الكلام 16: 223 ـ 224، المستند في شرح العروة 21: 131 .
( الصفحة 102 )
إنّما الكلام في ثبوت الحرمة الوضعيّة الراجعة إلى المفطريّة للصوم ، فالمنسوب إلى المشهور المفطريّة ـ بل إدّعى بعض القدماء منهم الإجماع عليها ـ بالنسبة إلى الثلاثة الاُولى(1) المذكورة في المتن ، وإلى المشهور بين المتأخّرين العدم(2) وإن كان يوجب النقص في الصوم لكنّه لا يكون مفطراً له ، ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ، فنقول :
منها : موثقة سماعة قال : سألته عن رجل كذب في رمضان ؟ فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه ، فقلت : فما كذبته ؟ قال : يكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) (3) . ورواها في الوسائل في باب واحد مرّتين ، والظاهر عدم ثبوت التعدّد في البين وإن زاد في إحديهما مكان السؤال في الاُخرى قوله (عليه السلام) : «وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمّد» .
ومنها : موثقة أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم ، قال : قلت : هلكنا ، قال : ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهوعلى الأئـمّة (عليهم السلام) (4) . ورواهافي الوسائل أيضاًفي باب واحد مرّتين
- (1) الانتصار : 184 ـ 185، غنية النزوع : 138، رياض المسائل 5 : 341ـ 342، جواهر الكلام 16 : 224، مستمسك العروة الوثقى 8 : 252.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 54، مختلف الشيعة 3: 268 مسألة 24، السرائر 1: 375ـ 376، مسالك الأفهام 2: 16، مدارك الأحكام 6: 46 و 88 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 189 ح536 و ص 203 ح 586 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 20 ح 8 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 33 و 34 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1 و 3 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 203 ح 585 ، الكافي 2 : 340 ح 9 و ج 4 : 89 ح 10 ، معاني الاخبار : 165 ح1 ، نوادر ابن عيسى: 24 ح14، وعنها وسائل الشيعة 10 : 33 ـ 34 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح2 و 7 .